فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال عكرمة: وتقلبك في الساجدين قال في حال القيام والركوع والسجود يعني: يرى قيامك وركوعك وسجودك، ويراك مع المصلين ويقال: الذي يراك حين تقوم من مقامك للصلاة بالليل، ويقال: حين تقوم وتدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ويقال وتقلبك في الساجدين يعني: تقلبك في أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات من آدم إلى نوح، وإلى إبراهيم، وإلى من بعده صلوات الله عليهم.
قوله عز وجل: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} يعني: بآبائهم وبأعمالهم.
ثم قال: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ} يعني: هل أخبركم {على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} هذا موصول بقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} {تَنَزَّلُ على كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} يعني: كذاب صاحب الإثم، فاجر القلب.
الأفاك الكذاب، والأثيم الفاجر، يعني به كهنة الكفار {يُلْقُونَ السمع} يعني: يلقون بآذانهم إلى السمع من السماء لكلام الملائكة عليهم السلام {وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون} يعني: حين يخبرون الكهنة.
وروى معمر عن الزهري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الشياطين تسترق السمع، فتجيء بكلمة حق، فتقذفها في أذن وليها، فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة، وهذا كان قبل أن يحجبوا من السماء ثم قال عز وجل: {والشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال قتادة ومجاهد: يتبعهم الشياطين.
وقال في رواية الكلبي: الغاوون هم الرواة الذين كانوا يروون هجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيتبعهم.
ويقال: الغاوون هم الضالون.
ويقال: شعراء الكفار كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ} يعني: في كل وجه وفن يذهبون ويخوضون، يأخذون مرة يذمون، ومرة يمدحون، وذكر عن القتبي أنه قال: في كل واد يهيمون من القول، وفي كل مذهب يذهبون كما تذهب البهائم على وجهها.
وقال غيره: هام الرجل والبعير، إذا مضى على وجهه، لا يدري أين يذهب، فكذلك الشاعر يأخذ كلامه لا يدري أين ينتهي.
قرأ نافع وحده يتبعهم بجزم التاء، والتخفيف، وقرأ الباقون يتبعهم بنصب التاء والتشديد، وهما بمعنى واحد يتبعهم ويتبعهم ثم قال: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} يعني: أن الشعراء يقولون: قد فعلنا كذا وكذا.
وقلنا: كذا، فيمدحون بذلك أنفسهم وهم كذبة، ثم استثنى شعراء المسلمين حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك رضي الله عنهم، فقال عز وجل: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيرًا} يعني: ذكروا الله في أشعارهم.
ويقال: وذكروا الله عز وجل في الأحوال كلها {وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} يعني: انتصر شعراء المسلمين من شعراء الكافرين، فكافؤوهم والبادىء أظلم.
ويقال: انتصروا من أهل مكة من بعدما أخرجوا، لأن الحرب تكون بالسيف وباللسان، فأذن القتال بالشعر، كما أذن بالسيف، إذ فيه قهرهم.
ثم أوعد شعراء الكافرين فقال تعالى: {وَسَيَعْلَمْ الذين ظَلَمُواْ} يعني: الذين هجوا المسلمين {أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} يعني: أي مرجع يرجعون إليه في الآخرة يعني: إلى الخسران والنار.
ويقال: هاتان الآيتان مدنيتان، يذكر أنه لما نزل {والشعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} جاء عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وهما يبكيان فقرأ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {والشعراء} إلى قوله: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فقال: عليه السلام «هذا أنتم {وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ}».
وروي عن عكرمة قال عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً، وَإِنَّ مِنَ الشُّعَرَاءِ لَحُكَمَاءَ» وفي رواية أخرى: «وَإِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا» والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين}.
يعني القرآن {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} قرأ الحجازيّون وأبو عمر بتخفيف الزاي ورفع الحاء والنون يعنون جبرئيل عليه السلام بالقرآن، وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي نزّل الله جبرئيل عليه السلام، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ} وهو مصدر نزّل، على قلبك يا محمد حتى وعيته.
{لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ} يعني نزل بلسان {عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ} يعني ذكر القرآن وخبره عن أكثر المفسرين وقال مقاتل: يعني ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته {لَفِي زُبُرِ} كتب {الأولين} وقرأ الأعمش زُبر بجزم الباء، وغيره بالرفع.
{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً} قرأ ابن عامر تكن بالتاء {آيَةً} بالرفع، غيره تكن بالتاء آيةً بالنصب، ومعنى الآية أولم يكن لهؤلاء المنكرين دلالة وعلامة {أَن يَعْلَمَهُ} يعني محمدًا {عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ}.
عبد الله بن سلام وأصحابه قال ابن عباس: بعث أهل مكة الى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا لزمانه وإنّا نجد في التوراة نعته وصفته وكان ذلك آية لهم على صدقه.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} يعني القرآن {على بَعْضِ الأعجمين} هو جمع الأعجم، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان منسوبًا الى العرب، وتأنيثه عجماء، وجمعه عجم، ومنه قيل للبهائم عجم أنها لا تتكلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العجماء جرحها جُبار» فإذا أردت أنه منسوب إلى العجم قلت: عجمي.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا سهل بن علي قال: حدّثنا أبو عمر قال: حدّثنا شجاع بن أبي نصر عن عيسى بن عمر عن الحسن أنّه قرأ: {ولو نزّلناه على بعض الأعجميين} مشدّدة بيائين، جعله نسبة ومعنى الآية: ولو نزّلناهُ على رجل ليس بعربي اللسان فقرأهُ عليهم بغير لغة العرب لما كانوا به مؤمنين، وقالوا: ما نفقه قولك نظيرهُ قوله سبحانه {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 44]، وقيل معناه: ولو نزّلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتّباعه.
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أي أدخلنا القرآن {فِي قُلُوبِ المجرمين} لتقوم الحجة عليهم، وقيل: يعني سلكنا الكفر في قلوب المجرمين {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
قال الفرّاء: من شأن العرب إذا وضعت {لا} موضع كي في مثل هذا ربّما جزمت ما بعدها وربّما رفعت فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت جزمًا ورفعًا، وأوثقت العبد لا يأبق في الجزم على تأويل إن لم أربطه انفلت، وإن لم أُوثقه فرَّ، والرفع على أنّ الجازم غير ظاهر. أنشد بعض بني عقيل:
وحتى رأينا أحسن الود بيننا ** مساكنة لا يقرف الشر قارف

ينشد رفعًا وجزمًا، ومن الجزم قول الراجز:
لطال ما حلأتماها لا ترد ** فخليّاها والسجال تبترد

{حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم فَيَأْتِيَهُم} قراءة العامة بالياء يعنون العذاب.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: أخبرنا أبو العباس عبد الرَّحْمن بن محمد ابن حماد الطهراني قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن الفضل الحرمي قال: حدّثنا وهب بن عمرو النمري قال: أخبرنا هارون بن موسى العتكي قال: حدّثنا الحسام عن الحسن أنه قرأ: {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} بالتاء فقال له رجل: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة فانتهره الحسن وقال: إنّما هي الساعة.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ}.
قال مقاتل: فقال المشركون: يا محمد إلى متى توعدنا بالعذاب؟ فأنزل الله عزَّ وجل {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} في الدنيا ولم نهلكهم {ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} يعني العذاب {مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رُسل ينذرونهم {ذكرى} أي ينذرونهم تذكرة محلّها نصب، وقيل رفع أي تلك ذكرى.
{وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدّمنا الحجّة عليهم وأعذرنا إليهم.
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} بل نزل به الروح الامين، وقراءة العامّة الشياطين بالياء في جميع القرآن لأن نونه سنخية وهجاؤه واحد كالدهاقين والبساتين.
وقرأ الحسن البصري ومحمد بن السميدح اليماني: الشياطون بالواو.
وقال الفراء: غلط الشيخ يعني الحسن فقيل: ذلك النضر بن شميل فقيل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة ودونهما فهلاّ جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه؟ مع إنّا نعلم أنهما لم يقرآ ذلك إلاّوقد سمعا فيه.
وقال المؤرّخ: إن كان اشتقاق الشياطين من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه.
وأخبرني عمر بن شبّه قال: سمعت أبا عبيد يقول: لم نعب على الحسن في قراءته إلاّ قوله: {وما تنزّلت به الشياطون}.
وبإسناده عن عمر بن شبّه قال: حدّثنا أبو حرب البابي من ولد باب قال: جاء أعرابي إلى يونس بن حبيب فقال: أتانا شاب من شبابكم هؤلاء فأتى بنا هذا الغدير فأجلسنا في ذات جناحين من الخشب فأدخلنا بساتين من وراءها بساتون.
قال يونس: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.
{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} أن ينزلوا القرآن {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك {إِنَّهُمْ عَنِ السمع} أي استراق السمع من السماء {لَمَعْزُولُونَ} وبالشهب مرجومون {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين}.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمر قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلًا، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس، فأمر عليًّا برِجْل شاة فأدمها ثم قال: ادنُوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم: اشربوا باسم الله، فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما يسحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلّم.
ثمَّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومَن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟ فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثًا كلّ ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا فقال: أنت» فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أُمِّر عليك.
وأخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني ومحمد بن عبد الله بن حمدون قالا: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيّب وأبو سلمة بن عبد الرَّحْمن أنَّ أبا هريرة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنكِ من الله شيئًا، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أُغني عنك من الله شيئًا، فسلوني من مالي ما شئتم».
وأخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الله قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذيركم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا، فأُنزلت {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
{واخفض جَنَاحَكَ} فليّن جانبك {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} من عبادة الأوثان ومعصية الرحمن.